Thursday, February 4, 2010

صحافة المواطن" .. كلنا صحفيون"



مهنة الصحافة الموقرة تجد نفسها فى لحظة نادرة من التاريخ ، لأول مرة هيمنتها كمستأثر للأخبار مهددة ليس فقط بسبب التكنولوجيا الجديدة والمنافسين ولكن من جانب الجمهورالذى تخدمه، أفراد الجمهور العاديين يمكنهم نشر افكارهم وتعليقاتهم وتحليلاتهم وحتى افلامهم من خلال مساحة حرة على الشبكة العنكبوتية. فلم يعد هناك أى داع لمراجعة رئيس تحرير صحيفة ما أو مسؤول فى إذاعة أو تلفزيون. بل يكفى أن يكون لديك جهاز كمبيوتر وانترنت لتحقيق سبق صحفى. واكثر من ذلك فانت لم تعد مجبرا الحصول على شهادة جامعية لممارسة العمل الصحفى. فكل مواطن يمكن أن يصبح صحفياً على الإنترنت.
فى 22 نوفمبر سنة 1963 كان المواطن أبراهام زابرودر في مدينة دلاس يصور مرور موكب الرئيس الأمريكي جورج كنيدي فوقع ما لم يكن منتظرا : اغتيال رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأكثر شعبية. بعد أيام قليلة باع هذا المواطن الأمريكي صوره تلك لمجلةLife بـ150 ألف دولار. الفرق هو أن كاميرا أبراهام فى ذلك الوقت كانت كبيرة الحجم وثقيلة ونوعية صورها متواضعة الجودة ولا يستطيع كل الناس شراؤها، أما اليوم فيكفى فقط أن يكون معك تليفونك المحمول الخاص بك وأن تكون فى المكان المناسب للحدث. وفى ظل التكنولوجيا الرقمية للصوت والصورة والنص والتى أصبحت فى متناول الجميع لنشر وإرسال وتلقى المعلومة ونقدها اتاحة الفرصة لأى شخص من أن يكتب وينشر على شبكة الإنترنت، صوره وآرائه وأخباره التي جمعها من مصادره الخاصة، وبدا واضحاً ظهور أشكالا مستحدثة من تبادل المعلومة والخبر وامتهان الصحافة باتت فى طريقها إلى الترسيخ فى مختلف وسائل الإعلام. ويطلق على هذه الظاهرة الجديدة فى الممارسة الصحفية مصطلح "صحافة المواطن".
لقد خصصت صحيفة ليبراسيون اليومية الفرنسية مانشيت الصفحة الأولى لأحد أعدادها بعنوان كبير ومثير : "كلنا صحفيون" فى إشارة إلى انتشار صحافة المواطن واعترافها منها بهذا الشكل الجديد من الصحافة. ويندر اليوم وجود أى مؤسسة من مؤسسات وسائل الإعلام غير منخرطة فى عملية التوسع على هذا الطريق الذى يتم التحرك فيه باتجاهين بين المؤسسات الإعلامية ومستخدميها.وهو ما يصوره رائد رائد صحافة المواطنين، دان جيلمور «Dan Gillmor»، فى كتابه نحن وسائل الإعلام We the media «فى عالم تسوده كله أدوات الوسائل الإعلامية، وهو ما يكاد يكون عليه وضعنا الآن، سوف يكون هناك فى كل مرة شاهد عيان فى موقع الحدث».
هذا وأوضحت المجلة الإلكترونية يو اس ايه الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية أن ظاهرة صحافة المواطن أحدثت ثورة فى حقل الإعلام ولنا فى كارثة تسونامى وأحداث التفجيرات بمحطة القطارات بلندن مثالأ لما ينفرد به الفرد العادى من صور ولقطات فيديو نشرتها جميع الشبكات الإخبارية العالمية مثل BBcوِCnn لعدم قدرة الصحفيين المحترفين التواجد فى الحدث وقت حدوثه، ويعتبر موقع الأخبار «أوماى نيوز» OhmyNews الذى أطلق عام 2000 فى كوريا الجنوبية من أوائل الرواد فى صحافة المواطن. وقد أنشأ الصحفى المحترف «أو يون هو» هذا الموقع كتجربة لاستخدام الإنترنت كوسيلة إعلامية تشاركية وكان يعمل معه فى هذه التجربة أكثر من 700 من المواطنين المراسلين الصحفيين. وعندما احتفل موقع «أوماى نيوز» بالذكرى السنوية السابعة لتأسيسه كان قد أصبح يعمل فيه 65 موظفاً بدوام كامل وأكثر من 60 ألف مواطن مراسل صحفى يعملون فى مئة دولة أخرى وهو رقم لا تمتلكه أكبر المؤسسات الإعلامية فى العالم.وقد منحت كلية ميزورى للصحافة ، المشهورة بالولايات المتحدة، «أويون هو» ميدالية الشرف للخدمة المميزة فى الصحافة تقديراً لجهوده الرائدة فى تحقيق انخراط المواطنين كصحفيين مناصرين للديمقراطية.
ووصل موقع "أوماي نيوز" الى حد أنه يعطى مراسليه ترخيصا يسمح لهم بدخول جميع مقرات الهيئات الحكومية والوزارات مثلهم مثل الصحافيين المحترفين، كما أن لديهم مطلق الحرية فى نشر الأخبار التى يريدونها بشرط أن يكتبوا عليها أسماءهم الحقيقية ليتحملوا المسؤولية المطلقة تجاه ما يكتبوه. وتتم عملية الإنتاج والنشر في شكل تقليدي إلى حد كبير، حيث إن المواطنين المراسلين يضعون قصصهم وتقاريرهم الإخبارية من خلال البريد الإلكترونى المفتوح طوال الأربعة والعشرين ساعة، ثم تدخل الأخبار والتقارير على مجموعة تسمى مجموعة التحرير والتصحيح اللغوى ثم تظهر على موقع الصحيفة الإلكترونى.
وكذلك الموقع الفرنسى Agoravox لصحافة المواطن والذى يجذب نحو مليون زائر فى الشهر، ولديه 8000 من المواطنين الصحفيين من جميع أنحاء العالم ، منهم 600 نشطاً على مدار الساعة. ويتلقى الموقع أكثر من خمسين خبراً وتقريراً ومقابلة وينشر منها حوالى ثلاثين يوميا. وتطلق قريباً جريدة Agoravox الورقية لنشر ما يتم تلقيه من المواطنين عبر الموقع فى نسخة ورقية.
وفى المنطقة العربية يعتبر موقع جريدتك هى أول مبادرة حقيقية لصحافة المواطن والذى أطلق فى 28 مارس 2008 مسترشداً بالموقعين السالف ذكرهما. كمنبر لأى شخص يرغب فى نشر معلومات أو أراء كما أنه يتيح نشر الصور وملفات الفيديو. فى ظاهرة صحفية ناشئة تمثل هزة جديدة لعرش الصحافة فى المنطقة العربية.موجهاً دعوة للمواطن شارك فى صناعة الحدث إذا كنت تمتلك خبرا فلا تتردد فى نشره ،اكتب عنك، عن أسرتك وبيئتك، عن محيطك وحيّك وقريتك وبلدك عبر عن نفسك، عن أحلامك وهواجسك، عن حزنك وفرحك ،كن شاهدا بالنص أو بالصورة أو بالرسم ،عمم نشاطاتك ،شارك فى صناعة الجريدة ... اصنع "جريدتك" انت تحررها... مراسلها هو انت ».
ويستخدم الموقع اللغات الثلاث العربية والإنجليزية والفرنسية لجذب أكبر عدد من المواطنين من انحاء العالم وقد زاد اقبال الشباب المصرى على الموقع وتصدرت اخبار المجتمع المصرى الصفحة الأولى للموقع ونشر الشباب خواطره تجاه القضايا التى تلامس مشاكله اليومية.
ولكن هل تواجد أى مواطن فى مكان الحدث ومتابعته لذلك الحدث بكاميرا الموبايل يجعله صحفياً أو عندما ينشر أخبارا ومعلومات لم تتمكن المؤسسات الإعلامية التقليدية العريقة من الوصول إليها فهل يضفى عليه ذلك السبق الصحفى صفة صحفى ؟ من المؤكد أن المواطنين الهواة لا يمكن أن يكونوا صحفيين محترفون ، لكن ظاهرة «صحافة المواطن» تأتى بعد ظواهر مثل المنتديات والمدونات ومواقع التشبيك الاجتماعى وعلى رأسها face book , my space وأخيراً لتكتسب هى الأخرى مساحة من اهتمام الشباب المصرى وتفرض واقع جديد على الساحة الإعلامية يمتلك فيه كل مواطن حقه فى أن يكون صحفياً.